Monday, May 25, 2009

حب الرئاسة والزعامة

بسم الله الرحمن الرحيم

حب الرئاسة والزعامة

قال الله تعالى في كتابه الكريم: " تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون عُلُوّاً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتّقين" القصص: 83.
الرئاسة والزعامة من الوسائل التي يحتاج إليها البشر لأجل تنظيم شؤون حياتهم في الدنيا, وهي من الأمور الضروريّة في كل المجتمعات البشريّة.
وبهذا وردت الرواية عن أمير المؤمنين(عليه السلام):"
لا بدّ للناس من أمير بر أو فاجر ".
ولكن المشكلة الأساس هي أنّ الإنسان كثيراً ما يستغل الرئاسة لإرضاء الذات وتحقيق المصالح الشخصيّة وحب الشهرة والتسلّط على الرقاب وظلم العباد, متناسياً أنّ الغرض هو خدمة الناس والأمن الاجتماعي وحفظ المصالح, ولذا فإنّ الإسلام حدّد المعايير والأسس التي ينبغي أن يراعيها الفرد في طموحاته الدنيويّة فاعتبر أنّ الزعامة الأساسية هي كما في الحديث:"
ليست الرياسة رئاسة الملك, إنما الرئاسة رئاسة الآخرة", وأنها لا ينبغي أن تكون مرغوبة بحد ذاتها, ولهذا جاء في الحديث:"من طلب الرئاسة هلك".
وعندما ورد ذكر إنسان في محضر الإمام أبي الحسن(عليه السلام) قيل عنه: إنه يحب الرئاسة, فقال(عليه السلام):"
ما ذئبان ضاريان في غنم قد تفرّق رعاؤهما بأضر في دين المسلم من طلب الرئاسة ".


لماذا الرئاسة:
بعد مقتل عثمان انهال الناس على أمير المؤمنين(عليه السلام) طالبين منه التصدّي للخلافة والقيادة, وكان جوابه المشهور
:" دعوني والتمسوا غيري ", لكنه بعد أن رأى أن الواجب يفرض عليه القبول بذلك وقف وأعلن في الأيام الأولى من خلافته الأسباب الأساسيّة التي كانت وراء قبوله بالتصدي للخلافة والهدف الذي يريده من الزعامة والرئاسة بقوله(عليه السلام):
" اللهمّ إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منّا منافسة في سلطان ولا التماس شيءٍ من فضول الحطام, ولكن لِنَرِدَ المعَالِمَ من دينك, ونُظْهِر الإصلاح في بلادك, فيأْمَنِ المظلومون من عبادكَ وتُقام المُعطَّلَة من حدودك...".
ومن أجل ذلك فإنّ الباحث التاريخي في حياة الإمام علي(عليه السلام) لا يلبث إلاّ أن يلتقي مع مئات المواقف والكلمات التي تبيّن له الأسباب والدوافع التي جعلت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(عليه السلام) الزاهد في الدنيا والساعي نحو الآخرة, والذي لا تمثّل له الرئاسة شيئاً في حد نفسها, حيث ورد في رواية أنّ عبد الله بن عبّاس دخل على أمير المؤمنين(عليه السلام) وهو يخصف نعله , فقال لابن عبّاس: ما قيمة هذا النعل؟ فأجابه ابن عبّاس:لا قيمة لها. فقال أمير المؤمنين(عليه السلام):
" والله لهي احبُّ إليَّ من إمرتِكُم, إلاّ أن أقيم حقّاً أو أدفع باطلاً " ونجده يقبل بتولّي شؤون الناس ويبيّن لهم أنّ هذا الأمر ليس لأجل التفاخر والتظاهر والتعالي, بل من أجل إقامة حدود الله تعالى, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, يقول(عليه السلام): " فأمسكت يدي حتّى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام, يدعون إلى محق دين محمد(صلّى الله عليه وآله) فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً أو هدفاً تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوتِ ولايتكم التي إنما هي متاع أيّام قلائل...".
ومن أجل ذلك كان طلب الرئاسة والزعامة في اغلب الأحيان سبباً في الهلاك والمعصية, فعن رسول الله(صلّى الله عليه وآله) أنه قال:
" أوّل ما عصيَ الله تبارك وتعالى بستِّ خصال:" حب الدنيا, وحبّ الرئاسة, وحبّ النوم, وحب النساء, وحبّ الراحة ".
وما تحدّثنا عنه في سيرة الإمام علي(عليه السلام) ومبادئه هو ما نجد له نموذجاً واضحاً يتجلّى في شخصيّة مؤسس الجمهوريّة الإسلاميّة المباركة الإمام الخميني(قدّس سره), الذي لم تكن الرئاسة تعني له شيئاً حيث جسّد كل معاني الزهد والتواضع في حياته, مع كونه زعيماً وقائداً كبيراً وحاكماً لدولة عظيمة, وقد عبّر رضوان الله عليه عن هدفه من إقامة الحكومة الإسلاميّة بما يلي:"
نريد مثل تلك الحكومة التي يعتبر فيها الحاكم أنّ قيمة الرئاسة, أقل من قيمة نَعْلِه المرقّع".
وفي الختام
نبارك للأمة الإسلامية جمعاء ذكرى مناسبة عيد المقاومة والتحرير وكل نصر وأنتم بخير.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

Sunday, May 24, 2009

حب الجاه



بسم الله الرحمن الرحيم

حب الجاه

عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): "ما ذئبان ضاريان أرسلا في زريبة غنم ، بأكثر فساد فيها من حبّ المال والجاه في دين الرجل المسلم " .
إن الجاه هو بلاء وامتحان قد يتعرّض له الإنسان المسلم في هذه الدنيا، قد يسقط به الكثيرون ويرتفع باجتيازه آخرون، هو كأي أمر من أمور هذه الدنيا يمكن أن يكون مغنمة للآخرة ويمكن أن يكون مفسدة لها.

مفسدة الآخرة
لقد بيّنت الرواية السابقة عن النبي (صلّى الله عليه وآله) كيف يكون الجاه مفسدة لدين الرجل، فالمفسدة هي " حب الجاه " ، والحب هو الميل والتعلق بحيث يفرح إذا حصل عليه ويحزن إن خسره، وقد ورد في الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه عندما تلا الآية الكريمة
"تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين" جعل يبكي ويقول : " ذهبت والله الأماني عند هذه الآية ، فسأله أحدهم قائلاً : جعلت فداك فما حدّ الزهد في الدنيا ؟ فقال : قد حدّه الله في كتابه فقال عز وجل: " لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ".
فالتفاعل مع موضوع الجاه والفرح والاستبشار به إن أقبل، أو الحزن والغضب له إن أدبر يخالف صفات المتقين ويتجاوز حدّ الزهد.
والتعاطي الأمثل يظهر جليّاً في كلمات أمير المؤمنين(عليه السلام) عندما اجتمع عليه الناس لمبايعته لزعامة المسلمين جميعاً وهي المطمع الأعلى لمحبي الجاه والرئاسة ومع ذلك قال :
"لولا حضور الحاضر وقيام الحجّة بوجود الناصر . وما أخذ الله على العلماء أن لا يقارّوا على كظّة ظالم ولا سغب مظلوم ... لألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز " فالزعامة والوجاهة ليست إلا لأداء تكليف وإلا فهي لا تدخل في قاموس أمير المؤمنين (عليه السلام).
يقول الإمام الخميني"قده":
"كذلك النفس التي تطلب الرئاسة، فهي عندما تبسط لواء قدرتها على قطر من الأقطار، تتوجه بنظرة طامعة إلى آخر، بل لو أنها سيطرت على الكرة الأرضية برمتها، لرغبت في التحليق نحو الكرات الأخرى للاستيلاء عليها. إلاّ أن هذه النفس المسكينة لا تدري بأن الفطرة إنّما تتطلع إلى شيءٍ آخر. إن العشق الفطري الجبلّي يتجه إلى المحبوب المطلق، إن جميع الحركات الجوهرية والطبيعية والإرادية، وجميع التوجهات القلبية والميول النفسية تتوجه نحو جمال الجميل الأعلى على الإِطلاق، ولكنهم لا يعلمون، فينحرفـون بهذا الحب والعشق والاشتياق – الذي هو براق المعراج وأجنحة الوصول - إلى وجهة هي خلاف وجهتها، فيحرّرونها ويقيدونها بلا فائدة.
الجاه لقضاء الحوائج

ورد عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)
:
"إن الله تعالى ليسأل العبد في جاهه كما يسأل في ماله، فيقول : يا عبدي رزقتك جاهاً فهل أعنت به مظلوماً، أو أغثت به ملهوفاً " .
هذا هو الابتلاء في الدنيا، فأناس يصعدون في مراقي الكمال وهم المتّقون المقربون، وآخرون ضلّ سعيهم في الدنيا فأضلوا الطريق.
جعلنا الله سبحانه وتعالى من المتمسكين بهذا النهج القويم السائرين على خطى المعصومين (عليهم السلام) العاملين بهديهم وتعاليمهم، الناجحين في كل الابتلاءات التي نمتحن بها.


وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

Saturday, May 16, 2009

Mr. no beef



بعد مستر نو بيف ... هل بين حكامنا العرب مستر فلافل .. او مستر بطاطا ... مثلا

اشار محمد حسنين هيكل في حديثه الاخير الى حكاية الملك حسين مع وكالة الاستخبارات الامريكية واسباب طرده منها بعد ان عمل فيها بمرتب شهري لمدة تزيد عن عشرين عاما ... ومع ان المعلومة ليست جديدة حتى ان هيكل نفسه اشار اليها في احد كتبه المطبوعة الا ان سعة انتشار بث محطة الجزيرة اوصلت المعلومة الى عدد كبير من المشاهدين ممن يبدو انهم سمعوا بها للمرة الاولى وهذا يفسر اسباب غضب وثورة الاعلام الاردني الرسمي ... حكاية الملك حسين مع الوكالة كان قد كتبها الزميل اسامة فوزي منذ سنوات ... وهذا هو نص المقال
المحرر


مستر بيف
بقلم : اسامة فوزي
* هذه صورة " مستر نو بيف " ... او الملك حسين ... وقولي " مستر نو بيف " لا اقصد به السخرية من جلالة المرحوم لا سمح الله وانما هو اللقب الذي اعطي للملك الاردني من قبل المخابرات المركزية الامريكية عندما عمل الملك لديها بوظيفة جاسوس لمدة عشرين عاما مقابل مليون دولار شهريا
* مستر " نو بيف "
No Beef هو الكود او الرمز الذي يرد ذكره في جميع وثائق المخابرات المركزية الامريكية السرية منذ عام1957 وحتى عام 1975
* مستر " نو بيف " هو اهم عميل للمخابرات المركزية الامريكية في الشرق الاوسط كما تذكر وثائق المخابرات ... وهو الاعلى اجرا فقد كان يتقاضى مرتبا شهريا مقداره مليون دولار وقد بدأ عمله كعميل للمخابرات المركزية الامريكية منذ عام 1957 اي منذ ان كان مستر بيف في الحادية والعشرين من عمره .
* مستر " نو بيف " - والبيف كما نعلم هو لحم البقر - لم يكن لحاما في احد المسالخ الحكومية العربية ... وانما هو للاسف ملك عربي هو المغفور له الملك حسين ملك الاردن السابق ... ونو بيف مصطلح يستخدم في الحياة اليومية الامريكية كثيرا
* اما الكشف عن علاقة الملك حسين - او مستر نو بيف - بالمخابرات المركزية الامريكية ومقدار الراتب الشهري الذي كان يتقاضاه منها ولمدة تزيد عن عشرين سنة فيعود الفضل فيه الى الصحافي الامريكي الشهير " بوب وورد " وهو الصحافي ذاته الذي فجر فضيحة ووترغيت التي اطاحت بالرئيس الامريكي
* وللحكاية قصة نشرتها جريدة " واشنطن بوست " في عددها الصادر في الثامن عشر من فبراير عام 1977 ...وقد عاد الصحافي الامريكي الشهير " بن برادلي " رئيس تحرير الواشنطون بوست فاعاد سرد حكاية " مستر بيف " في مذكراته التي صدرت مؤخرا في امريكا بعنوان "
a good life
* تحت عنوان " المخابرات المركزية الامريكية دفعت الملايين ولمدة عشرين عاما للملك حسين " كتبت الواشنطون بوست في فبراير عام 1977 تقول : " علم الرئيس كارتر خلال هذا الاسبوع ان المخابرات الامريكية المركزية كانت تدفع مليون دولار شهريا للملك حسين شخصيا وان المبلغ كان يسلم للملك كاش بوساطة مدير مكتب المخابرات المركزية في عمان منذ عام 1957 ... وفي مقابل ذلك كان الملك يقدم معلومات هامة وخطيرة للمخابرات المركزية " واضافت الجريدة " ان المبلغ لم يكن جزءا من المساعدات التي تدفع للمملكة الاردنية بشكل رسمي وانما هو بمثابة رشوة وكان يدفع نقدا للملك حسين شخصيا الذي كان ينفق المبلغ على شراء السيارات " واضافت الجريدة : ان المخابرات المركزية اعتبرت تجنيد الملك شخصيا ليعمل لديها كعميل من اهم انجازات الوكالة ... وقالت الجريدة ان هذا المبلغ هو الذي وفر للملك حياة البذخ التي عرف بها بحيث اصبح " بلاي بوي برنس " كما تقول الجريدة . واضافت الجريدة ان المخابرات احاطت الملك بمرافقات جميلات " .... وختمت الجريدة مقالها بالقول ان الرئيس كارتر هو الذي امر بوقف دفع المبلغ للملك حسين لانه اعتبره امرا معيبا
* يومها ... دافع الملك عن نفسه بالقول ان المبلغ كان يدفع له ليؤمن حراسات امنية لاولاده الذين يدرسون في امريكا ... وكانت هذه الحجة سخيفة لان الملك بدأ عمله مع الوكالة منذ عام 1957 بينما ولد اكبر ابنائه عبدالله - الملك الحالي - بعد ذلك بخمس سنوات
* رئيس تحرير الواشنطون بوست التي نشرت المقال انذاك " توم برادلي " اعاد سرد تفاصيل الفضيحة في مذكراته التي صدرت مؤخرا ووصف فيها كيف التقى هو وبوب وورد بالرئيس كارتر الذي اكد لهما الخبر وطلب منهما عدم نشره حفاظا على سمعة الملك ومصالح المخابرات المركزية في المنطقة لكن الواشنطون بوست نشرت الخبر رغم ذلك مما ادى الى قطيعة بينها وبين كارتر
* الصحافي المصري المعروف محمد حسنين هيكل التقط هذه الفضيحة في كتابه الجديد " كلام في السياسة " الذي نشره بعد موت الملك حسين ... وحاول ربط عمالة الملك للمخابرات المركزية بالنكبات التي اصابت منطقة الشرق الاوسط بسبب التسريبات الامنية التي كانت تتم للمخابرات المركزية الامريكية دون ان يعرف احد مصدرها وتبين انها كانت تتم من قبل موظف في الوكالة اسمه حسين بن طلال وكان يشغل وظيفة ملك في الاردن ويعرف في اوساط المسئولين في المخابرات الامريكية بالاسم الكودي مستر بيف
* لهذا يقول هيكل : هرب الملك حسين 16طائرة حربية اردنية من طراز فانتوم الى تركيا قبل ايام من حرب حزيران يونيه حتى لا يستخدمها المصريون في الحرب ضد اسرائيل رغم ان الملك وقع مع عبد الناصر اتفاقية دفاع مشترك قبل الحرب بايام ... ولهذا ايضا لم يقاتل الجيش الاردني خلال حرب حزيران يونيو وانما انسحب وسلم الضفة لاسرائيل حيث تذكر المصادر الاردنية نفسها ان عدد قتلى الجيش الاردني خلال حرب حزيران يونيو لم يزد عن 16 جنديا فقط وهو امر مثير للسخرية بخاصة وان الملك لم يخسر في الحرب حارة او مدينة وانما خسر نصف المملكة ... واية " طوشة " بين حارتين في عمان يمكن ان تؤدي الى اصابة ضعف هذا العدد فما بالك بحرب بين جيشين يفترض ان الجيش الاردني خاضها
* واكثر من هذا ... يقول هيكل ان الملك اعترف في لقاء مع البي بي سي انه طار شخصيا الى تل ابيب قبل حرب اكتوبر تشرين والتقى بغولدامائير وحذرها من الهجوم المصري السوري
* التجسس ظاهرة معروفة عبر التاريخ ... لكنني لم اقرأ من قبل ان ملكا عمل بوظيفة جاسوس لدولة اجنبية مقابل مرتب شهري وان وظيفته هذه جعلته يسلم نصف مملكته للعدو

:


* لعل هذا يفسر جانبا من اللغز في اختفاء كتاب " كلام في السياسة " لهيكل ليس فقط من الاسواق الاردنية التي لم يدخلها اساسا وانما ايضا من الاسواق العربية لان المخابرات الاردنية كانت مشغولة بلم النسخ من خلال شراء كل الكميات المطبوعة منه
* الرشوة عرفناها ... ومستر بيف عرفناه ... والرئيس الامريكي الذي طرد مستر بيف من الوظيفة عرفناه ايضا ... ولكن الذي لم نعرفه بعد هو من هن " الجميلات " اللواتي غرستهن المخابرات الامريكية في قصر الملك ... وهل " ليزا الحلبي " واحدة منهن
* مستر بيف انتقل الى رحمته تعالى واظنه يحاسب الان في قبره على بعض ما فعله بحق وطنه ودينه وامته ... ولكن السؤال المطروح الان هو : هل يوجد بين حكامنا العرب مستر بيف اخر ؟ او مستر نور في لبنان (السنيوره) ..؟
* ان اكثر ما نخشاه ان يقوم مسئول امريكي اخر بتسريب فضيحة مماثلة الى الصحف تمس رئيسا او ملكا عربيا ... وان يكون الكود السري للرئيس او الملك العربي من طراز " مستر بيف " ... مثلا " مستر فاصوليا " او مستر " فلافل " واذا كان لا بد للمخابرات المركزية الامريكية من تجنيد الحكام العرب في مؤسساتها فعلى الاقل نرجو منها ان تعطيهم القابا ورموزا كودية محترمة حتى نتمكن من نشرها في جريدة عرب تايمز دون ان نتسبب في قرف القراء منا ... ومنهم .... غفر الله لهم واسكن مستر بيف فسيح جناته .... ورزق العرب بحكام من طراز حكام اسرائيل ممن لم نسمع ولم نقرأ من قبل انه كان بينهم " مستر بيف " او " مستر بطاطا " وان اهدافهم المعلنة والسرية كانت ولا تزال اقامة اسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات ... ويبدو انهم سينجحون في تحقيق هذا الحلم بخاصة وانه كان بين قادة خصومهم العرب من هم من طراز " مستر بيف " .... طيب الذكر

ثورة التوابين


ثورة التوابين

أوّل انتفاضة مهمّة بعد مقتل الإمام الحسين وأهل بيته ( عليهم السلام ) في كربلاء ، فقد أخذ الشيعة يجتمعون بسرّية تامّة ، ويعقدون مناقشات أشبَهَ ما تكون بالنقد الذاتي ، وذلك لمحاسبة أنفسهم على التقصير الذي أظهروه إزاء الحسين ( عليه السلام ) .

فَتزعَّم التحرّك الشيعي حينئذٍ خمسة من كبار الزعماء الكوفيين المتقدّمين في السن ، الذين ارتبطوا تاريخياً بالحركة الشيعية ، وهم :

ـ سليمان بن صُرد الخزاعي ، صحابي جليل كان اسمه يسار ، وسمّاه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) سليمان ، وهو من أصحاب الإمام علي ( عليه السلام ) ، شارك معه في حروبه .

ـ المُسَيَّب بن نجبه الفزاري .

ـ عبد الله بن سعد بن نفيل الأزدي .

ـ عبد الله بن وال التميمي .

ـ رفاعة بن شدّاد البجلي .

وكلّهم من صحابة الإمام علي ( عليه السلام ) ومن المؤيِّدين له .

فبدأوا يمارسون نشاطهم في الخفاء ، ويبشِّرون بدعوتهم الانتقامية في أوساط الشيعة ، بعيداً عن مراقبة السلطة وجواسيسها المنتشرين في كلّ مكان .

وشكِّلوا منظمة سرِّية نواتها نحو مِائة معارض ، ولم تلبث حتّى تحوَّلت إلى معارضة شيعية كبرى تحمل اسم ( التوابين ) .

وقد صارت هذه التسمية هي الغالبة على حركة سليمان ورفاقه ، منبثقة من الآية الكريمة التي أصبحت شعارهم : ( فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقَتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيْمُ ) البقرة : 54 .

وكان الاجتماع الأوّل الذي ضمَّ هؤلاء قد عُقد في منزل سليمان بن صُرد ، وكان أوّل المتكلمين في الاجتماع المُسيَّب بن نجبه ، وبعد أن أنهى كلامه بتشديده على توحيد الصفوف ، تَكلَّم بعدئذٍ زعيم آخر هو رفاعة بن شدّاد .

فأثنى على ما جاء في خُطبةِ المسيَّب ، وأوصى باتِّخاذ سليمان بن صُرد زعيماً للحركة .

أهداف الحركة :

ـ إزاحة الأمويين من السلطة في الكوفة وتحويلها إلى قاعدة للحكم الشيعي الذي ينبغي أن يسود في مختلف أقاليم الدولة .

ـ أخذ القصاص من المسؤولين ، ومن قتلة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، سواء الأمويين أم المتواطئين معهم .

ـ تجسيد فكرة الاستشهاد ، وذلك بالتنازل عن الأملاك واعتزال النساء .

ـ الإلحاح في طلب التوبة عن طريق التضحية بالنفس .

وانتهى الاجتماع بهذه المقرّرات الحاسمة ، واختيار سليمان بن صُرد زعيماً لهم ، وذلك لسبقه في الإسلام وصحبة الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) ، وأوثقهم علاقة بالإمام علي وأبنائه ( عليهم السلام ) ، وأرفعهم شأناً في مكانته القبلية .

زيارة قبر الحسين ( عليه السلام ) :

جمع الصحابي الجليل سليمان بن صرد الخزاعي ـ الذي سمّي أمير التوابين ـ ، أنصاره في منطقة النخيلة في ربيع الثاني عام 65 هـ‍ ، ثمّ سار بهم إلى قبر الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، وكان عددهم يقارب أربعة آلاف رجلاً ، فما أن وصلوا إلى القبر الشريف ، حتّى صاحوا صيحة واحدة ، وازدحموا حول القبر أكثر من ازدحام الحُجّاج على الحجر الأسود عند لثمه ، فما رؤي أكثر باكياً من ذلك اليوم ، فترحموا عليه ، وتابوا عنده من خذلانه ، وترك القتال ، وتجديد العهد معه .

معركة عين الوردة :

تحرّك القائد سليمان بن صرد ـ بعد زيارة قبر الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، وتجديد العهد معه ـ مع جنده قاصدين الشام ، فوصلوا إلى الأنبار ، ومنها إلى القيارة وهيت ، ثُمَّ إلى قرقيسيا ـ وهي بلدة على مصب نهر الخابور في الفرات ـ وبعدها منطقة عين الوردة .

وفي الثاني والعشرين من جمادى الأول 65 هـ ، دارت في منطقة عين الوردة رحى الحرب بينهم وبين جند الشام ، وأبلى التوّابون بلاءً حسناً ، فكان لهم النصر أوّل الأمر ، غير أن ابن زياد سرعان ما أمدّ جيش الشام باثني عشر ألفاً ، بقيادة الحصين بن نمير ، ثمّ بثمانية آلاف ، بقيادة بن ذي الكلاع ، فأحاطوا بالتوّابين من كلّ جانب ، فلمّا رأى سليمان ما يلقى أصحابه من شدّة ، ترجّل عن فرسه ـ وهو يومئذ في الثالثة والتسعين من عمره ـ وكسر جفن سيفه ، وصاح بأصحابه : يا عباد الله ، من أراد البكور إلى ربّه ، والتوبة من ذنبه ، والوفاء بعهده فليأت إليّ .

فاستجاب له الكثيرون ، وحذوا حذوه ، وكسروا جفون سيوفهم ، وقتلوا من أهل الشام مقتلة عظيمة حتّى أُصيب أميرهم سليمان بسهم ، فوثب ووقع ، وهو يقول : فزت وربّ الكعبة ، وحمل الراية بعده المسيّب بن نجبه ، فقاتل بها حتّى استشهد .

وانتهت المعركة إلى جانب أهل الشام ، بعد أن ترك التوّابون أمثلة رائعة للبطولة والفداء ، التي استمدت روحها من مواقف الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه ( عليهم السلام ) ، والتي لها صداها في النفوس ، وأثرها القوي في التاريخ الإنساني كلّه .

Wednesday, May 13, 2009

زيارة الناحية المقدسة

السَّلامُ عَلى آدمَ صَفْوةِ اللهِ مِن خَليقَتِهِ ، السَّلامُ عَلى شِيثَ وَليِّ اللهِ وخِيرَتِهِ ، السَّلامُ عَلى إدْريسَ القائِمِ للهِ بِحُجَّتِهِ ، السَّلامُ عَلى نُوح المُجَابِ في دَعوَتِهِ ، السَّلامُ عَلى هُود المَمْدودِ مِنَ اللهِ بِمَعونَتِهِ .

السَّلامُ عَلى صَالِح الَّذي تَوَجَّهَ للهِ بِكَرامَتِهِ ، السَّلامُ عَلى إِبْراهِيم الَّذي حَبَاهُ اللهُ بِخُلَّتِهِ ، السَّلامُ عَلى إِسْمَاعيل الَّذي فَداهُ اللهُ بِذِبْحٍ عَظيمٍ مِنَ جَنَّتِهِ ، السَّلامُ عَلى إِسْحَاق الَّذي جَعَل اللهُ النُّبُوَّةَ في ذُرِّيَّتِهِ .

السَّلامُ عَلى يَعقوب الَّذي رَدَّ الله عَليهِ بَصَرَهُ بِرَحمَتِهِ ، السَّلامُ عَلى يُوسف الَّذي نَجَّاهُ اللهُ مِنَ الجُّبِّ بِعَظَمَتِهِ ، السَّلامُ عَلى مُوسَى الَّذي فَلَقَ اللهُ البَحْرَ لَهُ بِقُدرَتِهِ ، السَّلامُ عَلى هَارُون الَّذي خَصَّهُ اللهُ بِنُبوَّتِهِ .

السَّلامُ عَلى شُعَيب الَّذي نَصَرَهُ اللهُ عَلى أُمَّتِهِ ، السَّلامُ عَلى دَاود الَّذي تَابَ اللهُ عَليهِ مِن خَطيئَتِهِ ، السَّلامُ عَلى سُلَيمَان الَّذي ذُلَّتْ لَهُ الجِنُّ بِعزَّتِهِ ، السَّلامُ عَلى أيُّوب الَّذي شَفَاهُ اللهُ مِنْ عِلَّتِهِ ، السَّلامُ عَلى يُونس الَّذي أنْجَزَ اللهُ لَهُ مَضْمُونَ عِدَّتِه .

السَّلامُ عَلى عُزَير الَّذي أحيَاهُ اللهُ بَعدَ مَوتَتِهِ ، السَّلامُ عَلى زَكَريَّا الصَّابِر فِي مِحْنَتِهِ ، السَّلامُ عَلى يَحْيَى الَّذي أزْلَفَهُ اللهُ بِشَهادَتِهِ ، السَّلامُ عَلى عِيسَى رُوح اللهِ وَكَلِمَتِهِ .

السَّلامُ عَلى مُحمَّدٍ حَبيبِ اللهِ وصَفْوتِهِ ، السَّلامُ عَلَى أميرِ المُؤمِنين عَليِّ بْن أبي طَالِبٍ المَخْصُوص بِأخُوَّتِهِ ، السَّلامُ عَلى فَاطِمَةَ الزَّهراءِ ابنَتِهِ ، السَّلامُ عَلى أبِي مُحَمَّدٍ الحَسَنِ وَصِيِّ أبِيهِ وخَليفَتِهِ ، السَّلامُ عَلى الحُسينِ الَّذي سَمَحَتْ نَفْسُهُ بِمُهجَتِهِ ، السَّلامُ عَلى مَنْ أطَاعَ اللهَ فِي سِرِّهِ وَعَلانِيَتِهِ ، السَّلامُ عَلى مَنْ جَعَلَ اللهُ الشِّفاءَ فِي تُرْبَتِهِ ، السَّلامُ عَلَى مَن الإِجَابَة تَحْتَ قُبَّتِهِ ، السَّلامُ عَلى مَن الأئمَّة مِنْ ذُرِّيَّتِهِ .

السَّلامُ عَلى ابْنِ خَاتَمِ الأنبِيَاءِ ، السَّلامُ عَلَى ابْنِ سَيِّدِ الأوصِيَاءِ ، السَّلامُ عَلَى ابْنِ فَاطِمَةَ الزَّهْرَاءِ ، السَّلامُ عَلَى ابنِ خَدِيجَة الكُبْرَى ، السَّلامُ عَلَى ابْنِ سِدْرَة المُنتَهَى ، السَّلامُ عَلى ابْنِ جَنَّة المَأوَى ، السَّلامُ عَلى ابْنِ زَمْزَمَ وَالصَّفَا .

السَّلامُ عَلى المُرَمَّلِ بالدِّمَاءِ ، السَّلامُ عَلى المَهْتُوكِ الخِبَاءِ ، السَّلامُ عَلَى خَامِسِ أصْحَابِ أهْلِ الكِسَاءِ ، السَّلامُ عَلى غَريبِ الغُرَبَاءِ ، السَّلامُ عَلى شَهِيدِ الشُّهَدَاءِ ، السَّلامُ عَلى قَتيلِ الأدْعِيَاءِ ، السَّلامُ عَلى سَاكِنِ كَرْبَلاءِ ، السَّلامُ عَلى مَنْ بَكَتْهُ مَلائِكَةُ السَّمَاءِ ، السَّلامُ عَلَى مَنْ ذُرِّيتُهُ الأزكِيَاءُ .

السَّلامُ عَلى يَعْسُوبِ الدِّيْنِ ، السَّلامُ عَلى مَنَازِلِ البَرَاهِينِ .

السَّلامُ عَلى الأئِمَّةِ السَّادَاتِ ، السَّلامُ عَلى الجُيوبِ المُضَرَّجَاتِ ، السَّلامُ عَلى الشِّفَاهِ الذَّابِلاتِ ، السَّلامُ عَلى النُّفوسِ المُصْطَلِمَاتِ ، السَّلامُ عَلَى الأروَاحِ المُختَلسَاتِ .

السَّلامُ عَلى الأجْسَادِ العَاريَاتِ ، السَّلامُ عَلى الجُسُومِ الشَّاحِبَاتِ ، السَّلامُ عَلى الدِّمَاءِ السَّائِلاتِ ، السَّلامُ عَلى الأعْضَاءِ المُقطَّعَاتِ ، السَّلامُ عَلى الرُّؤوسِ المُشَالاَتِ ، السَّلامُ عَلى النُّسْوَةِ البَارِزَاتِ .

السَّلامُ عَلى حُجَّةِ رَبِّ العَالَمِينَ ، السَّلامُ عَلَيكَ وعَلى آبَائِكَ الطَّاهِرِينَ ، السَّلامُ عَلَيْكَ وعَلى أبْنَائِكَ المُسْتَشْهَدِينَ ، السَّلامُ عَليكَ وعَلى ذُرِّيَّتِك النَّاصِرِينَ ، السَّلامُ عَليكَ وعَلى المَلائِكَةِ المُضَاجِعِينَ .

السَّلامُ عَلى القَتيلِ المَظلُومِ ، السَّلامُ عَلى أخِيْهِ المَسمُومِ .

السَّلامُ عَلى عَليٍّ الكَبِيرِ ، السَّلامُ عَلى الرَّضِيعِ الصَّغِيرِ ، السَّلامُ عَلَى الأبْدَانِ السَّلِيبَةِ ، السَّلامُ عَلى العِتْرَةِ القَريْبَةِ ، السَّلامُ عَلى المُجدَّلِينَ في الفَلَوَاتِ ، السَّلامُ عَلى النَّازِحِينَ عَن الأوطَانِ ، السَّلامُ عَلى المَدْفُونِينَ بِلا أكْفَانِ ، السَّلامُ عَلى الرُّؤوسِ المُفَرَّقَةِ عَن الأبْدانِ .

السَّلامُ عَلى المُحتَسِبِ الصَّابِرِ ، السَّلامُ عَلى المَظْلُومِ بِلا نَاصِرِ ، السَّلامُ عَلَى سَاكِنِ التُّربَةِ الزَّاكِيَةِ ، السَّلامُ عَلى صَاحِبِ القُبَّة السَّامِيَةِ .

السَّلامُ عَلى مَن طَهَّرَهُ الجَلِيلُ ، السَّلامُ عَلى مَنِ افْتَخَرَ بِهِ جِبرائِيلُ ، السَّلامُ عَلى مَنْ نَاغَاهُ فِي المَهْدِ مِيكَائيلُ .

السَّلامُ عَلى مَنْ نُكِثَتْ ذِمَّتُهُ ، السَّلامُ عَلى مَن هُتِكَتْ حُرْمَتُهُ ، السَّلامُ عَلى مَنْ أُرِيقَ بِالظُّلْمِ دَمُهُ .

السَّلامُ عَلى المُغسَّلِ بِدَمِ الجِرَاحِ ، السَّلامُ عَلى المُجَرَّعِ بِكاسَاتِ الرِّمَاحِ ، السَّلامُ عَلى المُضَامِ المُستَبَاحِ .

السَّلامُ عَلى المَنْحُورِ في الوَرَى ، السَّلامُ عَلى مَن دَفنَهُ أهْلُ القُرَى ، السَّلامُ عَلى المَقْطُوعِ الوَتِينِ ، السَّلامُ عَلى المُحَامي بِلا مُعِينٍ .

السَّلامُ عَلى الشَّيْبِ الخَضِيبِ ، السَّلامُ عَلى الخَدِّ التَّرِيْبِ ، السَّلامُ عَلى البَدَنِ السَّلِيْبِ ، السَّلامُ عَلى الثَّغْرِ المَقْرُوعِ بالقَضِيبِ ، السَّلامُ عَلى الرَّأسِ المَرفُوعِ .

السَّلامُ عَلى الأجْسَامِ العَارِيَةِ في الفَلَوَاتِ ، تَنْهَشُهَا الذِّئَابُ العَادِيَاتُ ، وتَخْتَلِفُ إِلَيها السِّباعُ الضَّارِيَاتُ .

السَّلامُ عَليْكَ يَا مَولاَيَ وعَلى المَلائِكَةِ المَرْفُوفينَ حَولَ قُبَّتِكَ ، الحَافِّينَ بِتُربَتِكَ ، الطَّائِفِين بِعَرَصَتِكَ ، الوَاردِينَ لِزَيَارَتِكَ .

السَّلامُ عَليكَ فَإنِّي قَصَدْتُ إِلَيكَ ، ورَجَوتُ الفَوزَ لَدَيكَ .

السَّلامُ عَليكَ سَلامُ العَارِفِ بِحُرمَتِكَ ، المُخْلِصِ في وِلايَتِكَ ، المُتَقرِّبِ إِلى اللهِ بِمَحَبَّتِكَ ، البريءِ مِن أعَدَائِكَ ، سَلامُ مَنْ قَلْبُهُ بِمُصَابِك مَقرُوحٌ ، وَدَمْعُهُ عِندَ ذِكرِكَ مَسْفُوحٌ ، سَلامُ المَفْجُوعِ الحَزِينِ ، الوَالِهِ المُستَكِينِ .

سَلامُ مَن لَو كَانَ مَعَكَ بِالطُّفُوفِ لَوَقَاكَ بِنَفسِهِ حَدَّ السُّيُوفِ ، وبَذَلَ حَشَاشَتَهُ دُونَك لِلحُتُوف ، وجَاهَد بَينَ يَدَيكَ ، ونَصَرَكَ عَلى مَن بَغَى عَلَيكَ ، وَفَدَاك بِرُوحِه وَجَسَدِهِ ، وَمَالِهِ وَولْدِهِ ، وَرُوحُهُ لِرُوحِكَ فِدَاءٌ ، وَأهْلُهُ لأهلِكَ وِقَاءٌ .

فَلَئِنْ أخَّرَتْني الدُّهُورُ ، وَعَاقَنِي عَنْ نَصْرِكَ المَقْدُورُ ، وَلَمْ أكُنْ لِمَنْ حَارَبَكَ مُحَارِباً ، وَلِمَنْ نَصَبَ لَكَ العَدَاوَةَ مُناصِباً ، فَلأنْدُبَنَّكَ صَبَاحاً وَمَسَاءً ، وَلأبْكِيَنَّ لَكَ بَدَل الدُّمُوعِ دَماً ، حَسْرَةً عَلَيكَ ، وتَأسُّفاً عَلى مَا دَهَاكَ وَتَلَهُّفاً ، حَتَّى أمُوتُ بِلَوعَةِ المُصَابِ ، وَغُصَّةِ الاِكْتِئَابِ .

أشْهَدُ أنَّكَ قَدْ أقَمْتَ الصَّلاةَ ، وَآتَيْتَ الزَّكَاةَ ، وَأَمَرْتَ بِالمَعرُوفِ ، وَنَهَيْتَ عَنِ المُنْكَرِ والعُدْوَانِ ، وأطَعْتَ اللهَ وَمَا عَصَيْتَهُ ، وتَمَسَّكْتَ بِهِ وَبِحَبلِهِ ، فأرضَيتَهُ وَخَشيْتَهُ ، وَرَاقبتَهُ واسْتَجَبْتَهُ ، وَسَنَنْتَ السُّنَنَ ، وأطفَأْتَ الفِتَنَ .

وَدَعَوْتَ إلَى الرَّشَادِ ، وَأوْضَحْتَ سُبُل السَّدَادِ ، وجَاهَدْتَ فِي اللهِ حَقَّ الجِّهَادِ ، وكُنْتَ لله طَائِعاً ، وَلِجَدِّك مُحمَّدٍ ( صَلَّى اللهُ عَلَيه وَآلِه ) تَابِعاً ، وَلِقُولِ أبِيكَ سَامِعاً ، وَإِلَى وَصِيَّةِ أخيكَ مُسَارِعاً ، وَلِعِمَادِ الدِّينِ رَافِعاً ، وَللطُّغْيَانِ قَامِعاً ، وَللطُّغَاةِ مُقَارِعاً ، وللأمَّة نَاصِحاً ، وفِي غَمَرَاتِ المَوتِ سَابِحاً ، ولِلفُسَّاقِ مُكَافِحاً ، وبِحُجَجِ اللهِ قَائِماً ، وللإِسْلاَمِ وَالمُسْلِمِينَ رَاحِماً ، وَلِلحَقِّ نَاصِراً ، وَعِنْدَ البَلاءِ صَابِراً ، وَلِلدِّينِ كَالِئاً ، وَعَنْ حَوزَتِه مُرامِياً .

تَحُوطُ الهُدَى وَتَنْصُرُهُ ، وَتَبْسُطُ العَدْلَ وَتنْشُرُهُ ، وتنْصُرُ الدِّينَ وتُظْهِرُهُ ، وَتَكُفُّ العَابِثَ وتَزجُرُهُ ، وتأخُذُ للدَّنيِّ مِنَ الشَّريفِ ، وتُسَاوي فِي الحُكْم بَينَ القَويِّ والضَّعِيفِ .

كُنْتَ رَبيعَ الأيْتَامِ ، وَعِصْمَةَ الأنَامِ ، وَعِزَّ الإِسْلامِ ، وَمَعْدِنَ الأَحْكَامِ ، وَحَلِيفَ الإِنْعَامِ ، سَالِكاً طَرائِقَ جَدِّكَ وَأبِيكَ ، مُشَبِّهاً في الوَصيَّةِ لأخِيكَ ، وَفِيَّ الذِّمَمِ ، رَضِيَّ الشِّيَمِ ، ظَاهِرَ الكَرَمِ ، مُتَهَجِّداً فِي الظُّلَمِ ، قَويمَ الطَّرَائِقِ ، كَرِيمَ الخَلائِقِ ، عَظِيمَ السَّوابِقِ ، شَرِيفَ النَّسَبِ ، مُنِيفَ الحَسَبِ ، رَفِيعَ الرُّتَبِ ، كَثيرَ المَنَاقِبِ ، مَحْمُودَ الضَّرَائِبِ ، جَزيلَ المَوَاهِبِ .

حَلِيمٌ ، رَشِيدٌ ، مُنِيبٌ ، جَوادٌ ، عَلِيمٌ ، شَدِيدٌ ، إِمَامٌ ، شَهِيدٌ ، أوَّاهٌ ، مُنِيبُ ، حَبِيبٌ ، مُهِيبٌ .

كُنْتَ للرَّسُولِ ( صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ ) وَلَداً ، وَللقُرآنِ سَنَداً ، وَلِلأمَّةِ عَضُداً ، وفي الطَّاعَةِ مُجتَهِداً ، حَافِظاً للعَهدِ والمِيثَاقِ ، نَاكِباً عَن سُبُل الفُسَّاقِ ، وبَاذلاً للمَجْهُودِ ، طَويلَ الرُّكُوعِ والسُّجُودِ ، زاهِداً في الدُّنيَا زُهْدَ الرَّاحِلِ عَنْها ، نَاظِراً إِلَيها بِعَينِ المُسْتَوحِشِينَ مِنْها .

آمَالُكَ عَنْها مَكفُوفَةٌ ، وهِمَّتُكَ عَنْ زِينَتِهَا مَصْرُوفَةٌ ، وَأَلحَاظِكَ عَن بَهْجَتِهَا مَطْرُوفَةٌ ، وَرَغْبَتِكَ فِي الآخِرَة مَعرُوفَةٌ ، حَتَّى إِذَا الجَورُ مَدَّ بَاعَهُ ، وأسْفَرَ الظُّلْمُ قِنَاعَهُ ، وَدَعَا الغَيُّ أتْبَاعَهُ .

وأنْتَ فِي حَرَمِ جَدِّك قَاطِنٌ ، وَللظَّالِمِينَ مُبَايِنٌ ، جَلِيسُ البَيتِ وَالمِحْرَابِ ، مُعتَزِلُ عَنْ اللَّذَاتِ والشَّهَوَاتِ ، تَنْكُرُ المُنْكَرَ بِقَلبِكَ وَلِسَانِك ، عَلى حَسَبِ طَاقَتِكَ وَإمْكَانِكَ .

ثُّمَّ اقْتَضَاكَ العِلْمُ للإِنْكَارِ ، وَلزمَكَ أنْ تُجَاهِدَ الفُجَّار ، فَسِرْتَ فِي أوْلادِكَ وَأهَالِيكَ ، وشِيعَتِكَ ومُوَالِيكَ ، وصَدَّعْتَ بِالحَقِّ وَالبَيِّنَةِ ، وَدَعَوتَ إِلَى الله بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ .

وَأمَرْتَ بِإِقَامَةِ الحُدُودِ ، والطَّاعَةِ لِلمَعْبُودِ ، وَنَهَيْتَ عَنِ الخَبَائِثِ وَالطُّغْيَانِ ، وَوَاجَهُوكَ بِالظُّلْمِ وَالعُدْوَانِ ، فَجَاهَدْتَهُم بَعْدَ الإِيعَازِ لَهُم ، وَتَأكِيدِ الحُجَّةِ عَلَيْهِم ، فَنَكَثوا ذِمَامَكَ وِبَيْعَتَكَ ، وأسْخَطَوا رَبَّك وَجَدَّك ، وَبَدؤُوكَ بِالحَرْبِ ، فَثَبَتَّ لِلطَّعْنِ والضَّرْبِ ، وطَحَنْتَ جُنُودَ الفُجَّارِ ، وَاقْتَحَمْتَ قَسْطَلَ الغُبَارِ ، مُجَاهِداً بِذِي الفِقَارِ ، كَأنَّكَ عَلِيٌّ المُخْتَارُ .

فَلمَّا رَأوْكَ ثَابِتَ الجَأْشِ ، غَيْرَ خَائِفٍ وَلا خَاشٍ ، نَصَبُوا لَكَ غَوائِلَ مَكْرِهِمُ ، وقَاتَلُوكَ بِكَيْدِهِمُ وَشَرِّهِمُ ، وأمَرَ اللَّعِينُ جُنودَهُ ، فَمَنَعُوكَ المَاءَ وَوُرُودَهُ ، ونَاجَزُوكَ القِتَالَ ، وَعَاجَلُوكَ النِّزَالَ ، وَرَشَقُوكَ بِالسِّهَامِ وَالنِّبَالِ ، وبَسَطُوا إِلَيكَ أَكُفَّ الاِصْطِلاَمِ ، وَلَمْ يَرْعَوْا لَكَ ذِمَاماً ، وَلا رَاقَبُوا فِيْكَ أثَاماً ، فِي قَتْلِهِمُ أوْلِيَاءَكَ ، وَنَهْبِهِمُ رِحَالَكَ .

وَأنْتَ مُقْدَّمٌ في الهَبَوَاتِ ، ومُحْتَمِلٌ للأذِيَّاتِ ، قَدْ عَجِبَتْ مِنْ صَبْرِكَ مَلائِكَةُ السَّمَاوَاتِ ، فَأحْدَقُوا بِكَ مِنْ كِلِّ الجِّهَاتِ ، وأثْخَنُوكَ بِالجِّرَاحِ ، وَحَالُوا بَيْنَكَ وَبَينَ الرَّوَاحِ ، وَلَمْ يَبْقَ لَكَ نَاصِرٌ ، وَأنْتَ مُحْتَسِبٌ صَابِرٌ .

تَذُبُّ عَنْ نِسْوَتِكَ وَأوْلادِكَ ، حَتَّى نَكَّسُوكَ عَنْ جَوَادِكَ ، فَهَوَيْتَ إِلَى الأرْضِ جَرِيْحاً ، تَطَأُكَ الخُيولُ بِحَوَافِرِهَا ، وَتَعْلُوكَ الطُّغَاةُ بِبَوَاتِرِها ، قَدْ رَشَحَ لِلمَوْتِ جَبِيْنُكَ ، واخْتَلَفَتَ بالاِنْقِبَاضِ والاِنْبِسَاطِ شِمَالُكَ وَيَمِينُكَ ، تُدِيرُ طَرَفاً خَفِيّاً إلى رَحْلِكَ وَبَيْتِكَ ، وَقَدْ شُغِلْتَ بِنَفسِكَ عَنْ وُلْدِكَ وَأهَالِيكَ .

وَأَسْرَعَ فَرَسُكَ شَارِداً إِلَى خِيَامِكَ ، قَاصِداً مُحَمْحِماً بَاكِياً ، فَلَمَّا رَأَيْنَ النِّسَاءُ جَوَادَكَ مَخْزِيّاً ، وَنَظَرْنَ سَرْجَكَ عَلَيهِ مَلْوِيّاً ، بَرَزْنَ مِنَ الخُدُورِ ، نَاشِرَات الشُّعُورِ عَلى الخُدُودِ ، لاطِمَاتُ الوُجُوه سَافِرَات ، وبالعَوِيلِ دَاعِيَات ، وبَعْدَ العِزِّ مُذَلَّلاَت ، وإِلَى مَصْرَعِكَ مُبَادِرَات ، والشِّمْرُ جَالِسٌ عَلى صَدْرِكَ ، وَمُولِغٌ سَيْفَهُ عَلى نَحْرِكَ ، قَابِضٌ عَلى شَيْبَتِكَ بِيَدِهِ ، ذَابِحٌ لَكَ بِمُهَنَّدِهِ ، قَدْ سَكَنَتْ حَوَاسُّكَ ، وَخفِيَتْ أنْفَاسُكَ ، وَرُفِع عَلى القَنَاةِ رَأسُكَ .

وَسُبِيَ أهْلُكَ كَالعَبِيدِ ، وَصُفِّدُوا فِي الحَدِيْدِ ، فَوقَ أقْتَابِ المطِيَّاتِ ، تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ حَرُّ الهَاجِرَات ، يُسَاقُونَ فِي البَرَارِي وَالفَلَوَاتِ ، أيْدِيهُمُ مَغْلُولَةٌ إِلَى الأعْنَاقِ ، يُطَافُ بِهِم فِي الأسْوَاقِ ، فالوَيْلُ للعُصَاةِ الفُسَّاقِ .

لَقَد قَتَلُوا بِقَتْلِكَ الإِسْلامَ ، وَعَطَّلوا الصَّلاةَ وَالصِّيَامَ ، وَنَقَضُوا السُّنَنَ وَالأحْكَامَ ، وَهَدَّمُوا قَوَاعِدَ الإيْمَانِ ، وحَرَّفُوا آيَاتَ القُرْآنِ ، وَهَمْلَجُوا فِي البَغْيِ وَالعُدْوَانِ .

لَقَدْ أصْبَحَ رَسُولُ اللهِ ( صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ ) مَوتُوراً ، وَعَادَ كِتَابُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مَهْجُوراً ، وَغُودِرَ الحَقُّ إِذْ قُهِرْتَ مَقْهُوراً ، وَفُقِدَ بِفَقْدِكَ التَّكبِيرُ وَالتهْلِيلُ ، وَالتَّحْرِيمُ وَالتَّحِليلُ ، وَالتَّنْزِيلُ وَالتَّأوِيلُ ، وَظَهَرَ بَعْدَكَ التَّغْيِيرُ وَالتَّبدِيلُ ، والإِلْحَادُ وَالتَّعطِيلُ ، وَالأهْوَاءُ وَالأضَالِيلُ ، وَالفِتَنُ وَالأَبَاطِيلُ .

فَقَامَ نَاعِيكَ عِنْدَ قَبْرِ جَدِّكَ الرَّسُولِ ( صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ ) ، فَنَعَاكَ إِلَيهِ بِالدَّمْعِ الهَطُولِ ، قَائِلاً : يَا رَسُولَ اللهِ ، قُتِلَ سِبْطُكَ وَفَتَاكَ ، واسْتُبِيحَ أهْلُكَ وَحِمَاكَ ، وَسُبِيَتْ بَعْدَكَ ذَرَارِيكَ ، وَوَقَعَ المَحْذُورُ بِعِتْرَتِكَ وَذَويكَ .

فانْزَعَجَ الرَّسُولُ ، وَبَكَى قَلْبُهُ المَهُولُ ، وَعَزَّاهُ بِكَ المَلائِكَةُ وَالأنْبِيَاءُ ، وَفُجِعَتْ بِكَ أُمُّكَ الزَّهْرَاءُ ، وَاخْتَلَفَ جُنُودُ المَلائِكَةِ المُقَرَّبِينَ ، تُعَزِّي أبَاكَ أمِيرَ المُؤْمِنينَ ، وأُقِيمَتْ لَكَ المَآتِمُ فِي أَعْلَى عِلِّيِّينَ ، وَلَطَمَتْ عَلَيكَ الحُورُ العِينُ .

وَبَكَتِ السَّمَاءُ وَسُكَّانُهَا ، وَالجِنَانُ وَخُزَّانُهَا ، وَالهِضَابُ وَأقْطَارُهَا ، وَالبِحَارُ وَحِيتَانُها ، وَالجِنَانُ وَولْدَانُهَا ، وَالبَيتُ وَالمَقَامُ ، وَالمَشْعَرُ الحَرَام ، وَالحِلُّ والإِحْرَامُ .

اللَّهُمَّ فَبِحُرْمَةِ هَذَا المَكَانِ المُنِيفِ ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَتِهِم ، وأدْخِلْنِي الجَنَّة بِشَفَاعَتِهِم .

اللَّهُمَّ إِنِّي أتوَسَّلُ إِلَيكَ يَا أسْرَعَ الحَاسِبِينَ ، وَيَا أكْرَمَ الأَكْرَمِينَ ، وَيَا أحْكَمَ الحَاكِمِينَ ، بِمُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ ، وَرَسُولِكَ إِلَى العَالَمِينَ أجْمَعِينَ ، وَبِأخِيهِ وَابْنِ عَمِّهِ الأنْزَعِ البَطِينِ ، العَالِمِ المَكِينِ ، عَليٍّ أمِيْرِ المُؤْمِنِينَ ، وَبِفَاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِسَاءِ العَالَمِينَ .

وَبِالحَسَنِ الزَّكِيِّ عِصْمَةَ المُتَّقِينَ ، وَبِأَبِي عَبْدِ اللهِ الحُسَينِ أَكَرَمِ المُستَشْهِدِينَ ، وَبِأوْلاَدِهِ المَقْتُولِينَ ، وَبِعِتْرَتِهِ المَظلُومِينَ .

وَبِعَلِيِّ بْنِ الحُسَيْنِ زَيْنِ العَابِدِينَ ، وَبِمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قِبْلَةِ الأوَّابِينَ ، وَبِجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَصْدَقِ الصَّادِقِينَ ، وَبِمُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ مُظِهِرِ البَرَاهِينَ ، وَبِعَليِّ بْنِ مُوسَى نَاصِرِ الدِّينَ ، وَبِمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قُدْوَةِ المُهْتَدِينَ ، وَبِعَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ أزْهَدِ الزَّاهِدِينَ ، وَبِالحَسَنِ بْنِ عَليٍّ وَارِثِ المُسْتَخْلفِينَ ، وَبِالحُجَّةِ عَلى الخَلْقِ أجْمَعِينَ ، أنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِينَ الأَبَرِّينَ ، آلِ طَهَ وَيَاسِينَ ، وَأنْ تَجْعَلَنِي فِي القِيَامَةِ مِنَ الآمِنِينَ المُطْمَئِنِّينَ ، الفَائِزِينَ الفَرِحِينَ المُسْتَبْشِرِينَ .

اللَّهُمَّ اكتُبْنِي فِي المُسْلِمِينَ ، وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ، وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ ، وَانْصُرْنِي عَلى البَاغِينَ ، واكْفِنِي كَيْدَ الحَاسِدِينَ ، وَاصْرِفْ عَنِّي مَكْرَ المَاكِرينَ ، وَاقْبِضْ عَنِّي أيْدِي الظَّالِمِينَ ، وَاجْمَع بَينِي وَبَينَ السَّادَةِ المَيَامِينَ فِي أعَلَى عِلِّيِّينَ ، مَعَ الَّذِينَ أنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ ، وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ ، بِرَحْمَتِكَ يَا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ .

اللَّهُمَّ إِنِّي أُقْسِمُ عَلَيكَ بِنَبِيِّكَ المَعْصُومِ ، وَبِحُكْمِكَ المَحْتُومِ ، وَنَهْيِكَ المَكْتُومِ ، وَبِهَذا القَبْرِ المَلْمُومِ ، المُوَسَّدِ في كَنَفِهِ الإِمَامِ المَعْصُومِ ، المَقْتُولِ المَظْلُومِ ، أنْ تَكْشِفَ مَا بِي مِنَ الغُمُومِ ، وَتَصْرِفَ عَنِّي شَرَّ القَدَرِ المَحْتُومِ ، وَتُجِيرُنِي مِنَ النَّارِ ذَاتِ السُّمُومِ .

اللَّهُمَّ جَلِّلْنِي بِنِعْمَتِكَ ، وَرَضِّنِي بِقَسَمِكَ ، وتَغَمَّدْنِي بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ ، وَبَاعِدْنِي مِن مَكْرِكَ وَنِقْمَتِكَ .

اللَّهُمَّ اعْصِمْنِي مِنَ الزَّلَلِ ، وَسَدِّدْنِي فِي القَوْلِ وَالعَمَلِ ، وَافْسَحْ لِي فِي مُدَّةِ الأَجَلِ ، وَاعْفِنِي مِنَ الأوْجَاعِ وَالعِلَلِ ، وَبَلِّغْنِي بِمَوَالِيَّ وَبِفَضْلِكَ أَفْضَلَ الأَمَلِ .

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَاقْبَلْ تَوبَتِي ، وَارْحَم عَبْرَتِي ، وَأَقِلْنِي عَثْرَتي ، وَنَفِّسْ كُرْبَتِي ، وَاغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي ، وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي .

اللَّهُمَّ لا تَدَعْ لِي فِي هَذَا المَشْهَدِ المُعَظَّمِ ، وَالمَحَلِّ المُكَرَّمِ ، ذَنْباً إلاَّ غَفَرْتَهُ ، وَلا عَيْباً إِلاَّ سَتَرْتَهُ ، وَلاَ غَمّاً إلاَّ كَشَفْتَهُ ، وَلاَ رِزْقاً إلاَّ بَسَطْتَهُ ، وَلا جَاهاً إِلاَّ عَمَرْتَهُ ، وَلا فَسَاداً إِلاَّ أصْلَحْتَهُ ، وَلاَ أمَلاً إِلاَّ بَلَغْتَهُ ، وَلا دُعَاءً إِلاَّ أجَبْتَهُ ، وَلاَ مَضيقاً إلاَّ فَرَّجْتَهُ ، وَلا شَمْلاً إلاَّ جَمَعْتَهُ ، وَلا أمْراً إلاَّ أتْمَمْتَهُ ، وَلا مَالاً إِلاَّ كَثَّرْتَهُ ، وَلا خُلْقاً إلاَّ حَسَّنْتَهُ ، وَلا إِنْفَاقاً إِلاَّ أخْلَفْتَهُ ، وَلا حَالاً إِلاَّ عَمَرتَهُ ، وَلا حَسُوداً إِلاَّ قَمَعْتَهُ ، وَلا عَدوّاً إِلاَّ أرْدَيْتَهُ ، وَلا شَرّاً إِلاَّ كَفَيْتَهُ ، وَلا مَرَضاً إِلاَّ شَفَيْتَهُ ، ولا بَعِيداً إِلاَّ أدْنَيْتَهُ ، وَلا شَعْثاً إِلاَّ لَمَمْتَهُ ، وَلا سُؤالاً إِلاَّ أعْطَيْتَهُ .

اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ العَاجِلَةِ ، وثَوَابَ الآجِلَةِ ، اللَّهُمَّ أغْنِنِي بِحَلالِكَ عَنِ الحَرَامِ ، وَبِفَضْلِكَ عَنْ جَمِيعِ الأنَامِ ، اللَّهُمَّ إِنِّي أسْأَلُكَ عِلْماً نَافِعاً ، وَقَلْباً خَاشِعاً ، وَيَقِيناً شَافِياً ، وَعَمَلاً زَاكِياً ، وَصَبْراً جَمِيلاً ، وَأجْراً جَزِيلاً .

اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي شُكْرَ نِعْمَتِكَ عَلَيَّ ، وَزِدْ فِي إحْسَانِكَ وَكَرَمِكَ إِلَيَّ ، وَاجْعَلْ قَولِي فِي النَّاسِ مَسْمُوعاً ، وَعَمَلي عِنْدَكَ مَرْفُوعاً ، وَأثَري فِي الخَيْرَاتِ مَتْبُوعاً ، وَعَدُوِّي مَقْمُوعاً .

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ الأخْيَارِ ، فِي آنَاءِ اللَّيلِ وَأطْرَافِ النَّهَارِ ، وَاكْفِنِي شَرَّ الأشْرَارِ ، وَطَهِّرنِي مِن الذُّنُوبِ وَالأوْزَارِ ، وَأَجِرْنِي مِن النَّار ، وأحِلَّنِي دَارَ القَرَارِ ، وَاغْفِرْ لِي وَلِجَمِيعِ أُخْوانِي وأخَوَاتي المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ ، بِرَحْمَتِكَ يَا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ .


Monday, May 11, 2009

عزّة المؤمن وكرامته

بسم الله الرحمن الرحيم

عزّة المؤمن وكرامته

في وصايا أمير المؤمنين ومولى المتقين الإمام علي بن أبي طالب(ع) أنّه قال:" وَأَكْرِمْ نَفْسَكَ عَنْ كُلِّ دَنِيَّةٍ وَإِنْ سَاقَتْكَ إِلَى الرَّغَائِبِ، فَإِنَّكَ لَنْ تَعْتَاضَ بِمَا تَبْذُلُ مِنْ نَفْسِكَ عِوَضاً. وَلاَ تَكُنْ عَبْدَ غَيْرِكَ وَقَدْ جَعَلَكَ اللهُ حُرّاً ".
ورد في الرواية عن الإمام الصادق (ع) : "
المؤمن أعظم حرمةً من الكعبة".
وعن الإمام الباقر (ع) : "
إن الله عز وجل أعطى المؤمن ثلاث خصال: العز في الدنيا والدين، والفلاح في الآخرة، والمهابة في صدور العالمين."
إنّ الله عز وجل أعطى المؤمن العزة والكرامة، ولكنَّ الإنسان قد تدعوه رغبة من رغباته إلى فعل ما لا يليق به تلبية لرغبته تلك، فيقع في إذلال نفسه ويضحِّي بما وهبه إيَّاه الله عز وجل، وهنا يرشدنا الإمام(ع) إلى أن ما نناله جرَّاء التضحية بهذه العزة والكرامة الموهوبة من الله عز وجل لا يعادل ما نأخذه من حطام. فإنَّ من يُقْدِم على ذلك لمغبون، لأنه يبذل الشيء الغالي والنفيس في سبيل الفاني والرخيص.
بل ورد في الرواية أن المؤمن لا ولاية له على أن يُذل نفسه. في سبيل ذلك فقد ورد في الرواية عن الإمام الصادق (ع) : "
إن الله فوَّض إلى المؤمن أموره كلِّها، ولم يُفِّوض إليه أن يكون ذليلا، أما تسمع الله تعالى يقول" :وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ" المنافقون:
(8).
فالمؤمن يكون عزيزا ولا يكون ذليلا، إن المؤمن أعز من الجبل، لأن الجبل يُسْتَفَلُّ منه بالمعاول، والمؤمن لا يُسْتَفَلُّ من دينه بشيء.
وعنه (ع) : "
المؤمن إذا سُئِلَ أسْعف، وإذا سَأل خفَّف".
موجبات العزة:
أـ
طاعة الله
عن الإمام الصادق (ع) :" من أخرجه الله من ذل المعاصي إلى عز التقوى، أغناه الله بلا مال، وأعزه بلا عشيرة، وآنسه بلا بشر".
ومن الطاعة التسليم لله عز وجل فيما أمر ونهى، وقد نُهي المؤمن عن إذلال نفسه. وإذلال النفس إمّا أن يكون لأجل الحاجة إلى المال، أو إلى العشيرة أو إلى الصداقة والرفقة، فلو أطاع الله لسلك في هذه الثلاثة سُبُل الطاعة فكان عزيزاً فيها.
وهذا ما يمكن أن يستفاد من الرواية عن أمير المؤمنين (ع) : "
إذا طلبت العزَّ فاطلبه بالطاعة".
ب ـ
اليأس عما في أيدي الناس:
إنما يذل الإنسان نفسه لغيره من الناس متى عاش على أمل أن يجد ما يطلبه عندهم وأما لو قطع الأمل من ذلك في نفسه، وعلَّق أمله بالله عزَّ وجلَّ فقط فإنه لن يلجأ إلى إذلال نفسه، ولذا ورد في الرواية عن لقمان (ع) - لابنه وهو يعظه -: "
إن أردت أن تجمع عز الدنيا فاقطع طمعك مما في أيدي الناس، فإنما بلغ الأنبياء والصديقون ما بلغوا بقطع طمعهم ".
ج ـ
نصرة الحق:
إنَّ العزة هي في نصرة الحق، وأما لو تخلى الإنسان عن نصرة الحق فإنه سوف يكون مصيره إلى الذل، وقد ورد في الرواية عن الإمام العسكري (ع) : "
ما ترك الحقَّ عزيزٌ إلا ذل، ولا أخذ به ذليل إلا عز".
وعن الإمام علي (ع) : "
فرض الله... والجهاد عزاً للإسلام".
د ـ
إكرام الناس:
إن من موجبات كرامة النفس عند النفس أن يتعامل الإنسان بإكرام مع سائر الناس، فقد ورد في الرواية عن الإمام علي (ع) : "
إنَّ مكرمة صنعتها إلى أحد من الناس إنما أكرمتَ بها نفسَك وزيَّنت بها عِرْضَك، فلا تطلب من غيرِك شُكْرَ ما صَنعتَ إلى نفسك".
فلا ينبغي للمؤمن أن يبذل نفسه في سبيل الوصول إلى بعض الأمور الدنية، فإن بَذْلَ النفس في ذلك هو من الغبن، لأنه بذلك يبذل الغالي للحصول على الرخيص.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

Thursday, May 7, 2009

واقعة الجمل

واقعة الجمل

إن مقتل عثمان ومبايعة المسلمين للإمام علي ( عليه السلام ) جعل الأمور تَتَّخذ مجرىً آخر .

حيث أنَّ عدالة الإمام علي ( عليه السلام ) وتمسُّكه بالإسلام ، لا تروق لأولئك الذين اكتنزوا الكنوز ، وامتلكوا الضياع ، وبنوا القصور من أموال المسلمين .

فقاموا متَّحدِين لمقاومة عَدالة الإسلام التي لن تكتفي بحِرْمانهم مما ألِفوه من النهب ، بل ستأخذ منهم حتى تلك الأموال التي نالوها بطريقة غير مشروعة .

وتجعل أولئك الذين تمنُّوا الموت لعثمان وحرضوا الناس ضِدَّه حتى أودوا بحياته ، متحدين يطالبون بدمه .

حيثُ اتَّفَق طَلْحَة والزبَير ومعهما عائشة زوجة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وخرجوا إلى البصرة لجمع الأنصار ، وإثارة الفتنة .

إنَّها حقاً من الأمور التي تُدهِش العاقل ، وقد بذل الإمام جهداً كبيراً لتحاشي هذه الفتنة ، فلم يأل جهداً في بَذْل النصح لهم ، وتحميلهم مغبة ما سيكون إذا نشبت الحرب ، وهذه إحدى نصائحه لِطَلحة والزبير إذ يقول ( عليه السلام ) : ( أمَّا بَعد ، يا طَلْحة ، ويا زُبير ، فقد عَلِمتُمَا أنِّي لم أرِد الناس حتى أرادوني ، ولم أبايعهم حتى أكرهوني ، وأنتما أول من بادر إلى بيعتي ، ولم تَدخُلا في هذا الأمر بسلطانٍ غَالب ، ولا لعرض حاضر .

وأنت يا زبير ، ففارس قريش ، وأنت يا طلحة فشيخ المهاجرين ، ودفعكما هذا الأمر قبل أن تدخلا فيه كان أوسَع لكما من خُروجِكما منه .

ألا وهؤلاء بنو عثمان هم أولياؤه المطالبون بدمه ، وأنتما رجلان من المهاجرين ، وقد أخرجتما أمكما [ عائشة ] من بيتها التي أمرها الله تعالى أن تقرّ فيه ، والله حسبكما ) .

وفي البصرة - المكان الذي دار فيه القتال - استمرَّ الإمام علي ( عليه السلام ) يبذل نصحه من أجل حَقْن الدِّماء .

فأرسل للناكثين يدعوهم للصُّلح ورَأْبِ الصدع ، والتقى بالزبير وذكَّره بما قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) يوم قال - الزبير - : لا يدع ابْن أبي طالب زهوة .

فقال له النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ( مَهْلاً يا زبير ، ليس بعليٍّ زَهوة ، ولتخرجَنَّ عليه يوماً وأنت ظالم له ) .

فقال الزبير للإمام ( عليه السلام ) : بلا ، ولكني نسيت ذلك ، وبعد أن تذكر انصرَفَ إلى خارج البصرة ، ولم يحارب ، فقتله ابن جرموز ، ودفنه في وادي السباع .

وبعد أن فشلت المحاولات لإخماد الفتنة التي أثارها الناكثون في البصرة ، تفجَّر الموقف ، وأُعلِنَ القتال بين جيش الإمام علي ( عليه السلام ) ، وجيش الناكثين .

لكن الإمام ( عليه السلام ) ظلَّ ملتزماً بالصبر والأناة ، وبِمَا امتاز به من الروح الإنسانية ، موضِّحاً لجماعته أحكام الشريعة الإسلامية في حَقِّ البغاة ، ثم دعا ربَّه مُستجيراً مِن الفِتنَة .

أما عن مصير طَلحة ، فقد جَاءَه سَهْم عند الهزيمة ، لا يُعرف رامِيه ، فَجَرَحه ثم مات .

وأسْفَرَت هذه الفتنة عن قتل عشرة آلاف من جيش الناكثين ، وخمسة آلاف من جيش الإمام ( عليه السلام ) .

وقد جَرَتْ المعركة في العاشر من جمادى الأول سنة ( 36 هـ ) ، وسُمِّيَت بحرب الجمل ، لأنَّ عائِشة كانت تَركب فيها جملاً .

وبعد أن وَضَعتْ الحربُ أوزارَها ، بانتصار ساحقٍ على أهل الجمل ، أعلن الإمام ( عليه السلام ) العفو العام عن جميع المشتركين بها .

وإنَّه حقاً موقِفٌ جسَّد فيه حكم الله تعالى ، ثم واصل الإمام ( عليه السلام ) خطواته الإنسانية إزاء الناكثين .

إذ قام بإعادة عائشة إلى المدينة المنورة معزَّزَة مُكرَّمة ، على الرغم من موقفها المعانِد لوليِّ أمرِها .

شهادة فاطمة الزهراء (عليها السلام)

شهادة فاطمة الزهراء (عليها السلام)

بعد وفاة رسول الله (ص) اشتدَّ عليها الحزن والأسى، ونزل بها المرض لِمَا لاقَتْهُ من هجوم أَزْلامِ الزُمرة الحاكمة آنذاك على دارها، وَعَصْرِهَا بَين الحَائطِ والبَابِ، وَسُقُوطِ جَنِينِها المُحسِن (ع)، وَكَسْرِ ضِلعِها، وَغَصبِ أَرضِهَا ( فَدَك ).

فقد مشى إليها الموت سريعاً وهي (ع) في شبابها الغَض، وقد حان موعد اللقاء القريب بينها (ع) وبين أبيها (ص) الذي غاب عنها، وغابت معه عواطفه الفَيَّاضة .

وَلَمَّا بدت لها طلائع الرحيل عن هذه الحياة طَلَبتْ حضورَ أمير المؤمنين علي (ع)، فَعَهدتْ إليهِ بِوَصِيَّتِها ، ومضمون الوصية: أن يُوارِي (ع) جثمانها المقدس (ع) في غَلس اللَّيل البهيم، وأن لا يُشَيِّعُها أحد من الذين هَضَمُوهَا، لأنهم أَعداؤها (ع) وأعداء أبيها (ص) - على حَدِّ تعبيرها - .

كَما عَهدت إليه أن يتزوَّج من بعدها بابنة أختها أمَامَة، لأنَّها تقوم بِرِعَايَة ولديها الحسن والحسين ( عليهما السلام ) اللَّذَين هما أعزُّ عندها من الحياة.

وعهدت إليه أن يعفي موضع قبرها، ليكون رمزاً لِغَضَبِهَا غير قابلٍ للتأويل على مَمَرِّ الأجيال الصاعدة .

وضمن لها أمير المؤمنين (ع) جميع ما عَهدَت إليه، وانصرف عنها (ع) وهو غارق في الأسى والشجون .

وفي آخر يوم من حياتها (ع) ظهر بعض التحسّن على صحتها ، وكانت بادية الفرح والسرور، فقد علمت (ع) أنها في يومها تلحق بأبيها (ص) .

وكان ذلك في ( 13 من جمادي الأول ) من سنة ( 11 هـ ) ، وفي رواية أخرى أنه كان في ( 8 ربيع الثاني ) من نفس السنة ، وفي رواية أخرى في ( 3 جمادي الثاني ) من نفس السنة أيضاً .

وهرع الناس من كل صوب نحو بيت الإمام (ع) وهم يذرفون الدموع على وديعة نبيهم (ص)، فقد انطوت بموت الزهراء (ع) آخر صفحة من صحفات النبوة، وتذكروا بموتها عطف الرسول (ص) عليهم، وقد ارتَجَّت المدينة المنورة من الصراخ والعويل .

وعهد الإمام (ع) إلى سَلمَان أن يقول للناس بأن مواراة بضعة النبي (ص) تأخّر هذه العشية، وتفرقت الجماهير .

ولما مضى من الليل شَطرُهُ، قام الإمام (ع) فغسَّل الجسد الطاهر، ومعه أسماء والحسنان ( عليهما السلام )، وقد أخذت اللوعة بمجامع قلوبهم .

وبعد أن أدرجها في أكفانها دعا بأطفالها – الذين لم ينتهلوا من حنان أُمِّهم – ليلقوا عليها النظرة الأخيرة، وقد مادت الأرض من كثرة صراخهم وعويلهم، وبعد انتهاء الوداع عقد الإمام الرداء عليها .

ولما حَلَّ الهزيع الأخير من الليل قام (ع) فصلّى عليها ، وعهد إلى بني هاشم وخُلَّصِ أصحابه أن يحملوا الجثمان المقدّس إلى مثواه الأخير .

ولم يخبر (ع) أي أحد بذلك ، سوى تلك الصفوة من أصحابه الخُلَّص وأهل بيته (ع) .

وأودعها في قبرها وأهال عليها التراب، ووقف (ع) على حافة القبر، وهو يروي ثراه بدموع عينيه، واندفع يُؤَبِّنها بهذه الكلمات التي تمثل لوعته وحزنه على هذا الرزء القاصم قائلاً: ( السَّلام عَليكَ يا رسولَ الله عَنِّي وعنِ ابنَتِك النَّازِلَة في جوارك ، السريعة اللحاق بك ، قَلَّ يا رسولَ الله عن صَفِيَّتِك صَبرِي ، وَرَقَّ عنها تَجَلُّدِي ، إِلاَّ أنَّ في التأسِّي بِعظِيم فرقَتِك وَفَادحِ مُصِبَيتِك مَوضِعَ تَعَزٍّ ، فَلَقد وَسَّدتُكَ فِي مَلحُودَةِ قَبرِك ، وَفَاضَت بَينَ نَحري وصَدرِي نَفسُكَ .

إِنَّـا لله وإنَّا إليه راجعون ، لقد استُرجِعَتْ الوَديعةُ ، وأُخِذَتْ الرَّهينَة ، أمَّا حُزنِي فَسَرْمَدْ ، وَأمَّا لَيلِي فَمُسَهَّدْ ، إلى أَنْ يختارَ اللهُ لي دارَك التي أنتَ بِها مُقيم ، وَسَتُنَبِّئُكَ ابنتُكَ بِتَضَافُرِ أُمَّتِكَ على هَضمِها ، فَاحفِهَا السُّؤَالَ ، واستَخبِرْهَا الحَالَ ) .

Tuesday, May 5, 2009

واقعة الجمل

واقعة الجمل

إن مقتل عثمان ومبايعة المسلمين للإمام علي ( عليه السلام ) جعل الأمور تَتَّخذ مجرىً آخر .

حيث أنَّ عدالة الإمام علي ( عليه السلام ) وتمسُّكه بالإسلام ، لا تروق لأولئك الذين اكتنزوا الكنوز ، وامتلكوا الضياع ، وبنوا القصور من أموال المسلمين .

فقاموا متَّحدِين لمقاومة عَدالة الإسلام التي لن تكتفي بحِرْمانهم مما ألِفوه من النهب ، بل ستأخذ منهم حتى تلك الأموال التي نالوها بطريقة غير مشروعة .

وتجعل أولئك الذين تمنُّوا الموت لعثمان وحرضوا الناس ضِدَّه حتى أودوا بحياته ، متحدين يطالبون بدمه .

حيثُ اتَّفَق طَلْحَة والزبَير ومعهما عائشة زوجة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وخرجوا إلى البصرة لجمع الأنصار ، وإثارة الفتنة .

إنَّها حقاً من الأمور التي تُدهِش العاقل ، وقد بذل الإمام جهداً كبيراً لتحاشي هذه الفتنة ، فلم يأل جهداً في بَذْل النصح لهم ، وتحميلهم مغبة ما سيكون إذا نشبت الحرب ، وهذه إحدى نصائحه لِطَلحة والزبير إذ يقول ( عليه السلام ) : ( أمَّا بَعد ، يا طَلْحة ، ويا زُبير ، فقد عَلِمتُمَا أنِّي لم أرِد الناس حتى أرادوني ، ولم أبايعهم حتى أكرهوني ، وأنتما أول من بادر إلى بيعتي ، ولم تَدخُلا في هذا الأمر بسلطانٍ غَالب ، ولا لعرض حاضر .

وأنت يا زبير ، ففارس قريش ، وأنت يا طلحة فشيخ المهاجرين ، ودفعكما هذا الأمر قبل أن تدخلا فيه كان أوسَع لكما من خُروجِكما منه .

ألا وهؤلاء بنو عثمان هم أولياؤه المطالبون بدمه ، وأنتما رجلان من المهاجرين ، وقد أخرجتما أمكما [ عائشة ] من بيتها التي أمرها الله تعالى أن تقرّ فيه ، والله حسبكما ) .

وفي البصرة - المكان الذي دار فيه القتال - استمرَّ الإمام علي ( عليه السلام ) يبذل نصحه من أجل حَقْن الدِّماء .

فأرسل للناكثين يدعوهم للصُّلح ورَأْبِ الصدع ، والتقى بالزبير وذكَّره بما قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) يوم قال - الزبير - : لا يدع ابْن أبي طالب زهوة .

فقال له النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ( مَهْلاً يا زبير ، ليس بعليٍّ زَهوة ، ولتخرجَنَّ عليه يوماً وأنت ظالم له ) .

فقال الزبير للإمام ( عليه السلام ) : بلا ، ولكني نسيت ذلك ، وبعد أن تذكر انصرَفَ إلى خارج البصرة ، ولم يحارب ، فقتله ابن جرموز ، ودفنه في وادي السباع .

وبعد أن فشلت المحاولات لإخماد الفتنة التي أثارها الناكثون في البصرة ، تفجَّر الموقف ، وأُعلِنَ القتال بين جيش الإمام علي ( عليه السلام ) ، وجيش الناكثين .

لكن الإمام ( عليه السلام ) ظلَّ ملتزماً بالصبر والأناة ، وبِمَا امتاز به من الروح الإنسانية ، موضِّحاً لجماعته أحكام الشريعة الإسلامية في حَقِّ البغاة ، ثم دعا ربَّه مُستجيراً مِن الفِتنَة .

أما عن مصير طَلحة ، فقد جَاءَه سَهْم عند الهزيمة ، لا يُعرف رامِيه ، فَجَرَحه ثم مات .

وأسْفَرَت هذه الفتنة عن قتل عشرة آلاف من جيش الناكثين ، وخمسة آلاف من جيش الإمام ( عليه السلام ) .

وقد جَرَتْ المعركة في العاشر من جمادى الأول سنة ( 36 هـ ) ، وسُمِّيَت بحرب الجمل ، لأنَّ عائِشة كانت تَركب فيها جملاً .

وبعد أن وَضَعتْ الحربُ أوزارَها ، بانتصار ساحقٍ على أهل الجمل ، أعلن الإمام ( عليه السلام ) العفو العام عن جميع المشتركين بها .

وإنَّه حقاً موقِفٌ جسَّد فيه حكم الله تعالى ، ثم واصل الإمام ( عليه السلام ) خطواته الإنسانية إزاء الناكثين .

إذ قام بإعادة عائشة إلى المدينة المنورة معزَّزَة مُكرَّمة ، على الرغم من موقفها المعانِد لوليِّ أمرِها .

Monday, May 4, 2009

زينب (ع) المتهجدة

بسم الله الرحمن الرحيم

زينب (ع) المتهجدة


عبادة زينب(ع) :
لقد تحدّث علماء السيرة عن عبادة زينب بنت علي ابن أبي طالب عليهما السلام فقالوا : لقد كانت في عبادتها ثانية أمها الزهراء عليها السلام وكانت تقضي عامة لياليها بالتهجد وتلاوة القرآن .
ويصفها بعضهم بالقول : .. كانت ـ رضي الله عنها ـ كثيرة الخلوة بربها غارقة في سبحات مناجاتها حتى إذا ضمها الليل وغارت النجوم وهدأت الأصوات وسكنت الحركات ونامت العيون وأغلقت أبواب الملوك نصبت أقدامها للعبادة فبدأت سريعة الدمعة كثيرة الخوف كبيرة الرجاء تناجي ربها و تقول : يا من لبس العزة وتردى به ،وتعطف بالمجد وتحلى به ، أسألك بمعاقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك وباسمك الأعظم وجدك الأعلى وكلماتك التامات التي تمت صدقاً وعدلاً ، أن تصل على محمد و آل محمد الطيبين الطاهرين و أن تجمع لي خيري الدنيا و الآخرة .
زينب (ع) و صلاة الليل:
لقد كانت زينب صلوات الله عليها وعلى أبويها وأخويها معروفة بمحافظتها على صلاة الليل حيث كانت تعتبر أنها من المخاطَبين بإقامة هذه الصلاة ، فقد روى ابن عباس (ع) :قرأت زينب بنت علي (ع) قوله تعالى :
« يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً* إلى قوله تعالى : .. وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ » فقالت رضي الله تعالى عنها : نحن نشترك مع جدنا (ص) في قوله تعالى : وطائفة من الذين معك * فنحن بفضل الله من هذه الطائفة .

وفي هذا الإطار يروي صاحب [مثير الأحزان ] العلامة الشيخ شريف الجواهري (قدس سره) : قالت فاطمة بنت الحسين (ع) :..وأما عمتي زينب عليها السلام فإنها لم تزل قائمة في تلك الليلة ( أي العاشر من المحرم ) في محرابها تستغيث إلى ربها فما هدأت لنا عين ولا سكنت لنا رنة ، هذا في صلاة واقعة الطف ،وأما بعدها فيروي أنها صلوات الله عليها ما تركت تهجدها حتى ليلة الحادي عشر من محرم وروي عن الإمام زين العابدين(ع) أنه قال : رأيتها تلك الليلة تصلي من جلوس .
وحتى في أثناء مسيرة السبي فيروي بعض المتتبعين عن الإمام زين العابدين (ع) أنه قال : إن عمتي زينب كانت تؤدي صلواتها من قيام الفرائض و النوافل عند سير القوم بنا من الكوفة إلى الشام وفي بعض المنازل كانت تصلي من جلوس فسألتها عن سبب ذلك فقالت أصلي من جلوس لشدة الجوع والضعف من ثلاث ليال لأنها كانت تقسّم ما يصيبها من الطعام على الأطفال ....*
وفي رواية أيضا عن الإمام السجاد عليه السلام أنه قال : (إن عمتي زينب مع تلك المصائب و المحن النازلة بها في طريقنا إلى الشام ما تركت صلاة الليل )
ولعل هذا يكشف جانباً مما روي بأن الإمام الحسين عليه السلام لما ودّع أخته زينب عليها السلام وداعه الأخير قال لها : يا أختاه لا تنسيني في صلاة الليل .
فالسلام عليها يوم ولدت و يوم توفيت و يوم تبعث حية ..

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين