Saturday, May 16, 2009

ثورة التوابين


ثورة التوابين

أوّل انتفاضة مهمّة بعد مقتل الإمام الحسين وأهل بيته ( عليهم السلام ) في كربلاء ، فقد أخذ الشيعة يجتمعون بسرّية تامّة ، ويعقدون مناقشات أشبَهَ ما تكون بالنقد الذاتي ، وذلك لمحاسبة أنفسهم على التقصير الذي أظهروه إزاء الحسين ( عليه السلام ) .

فَتزعَّم التحرّك الشيعي حينئذٍ خمسة من كبار الزعماء الكوفيين المتقدّمين في السن ، الذين ارتبطوا تاريخياً بالحركة الشيعية ، وهم :

ـ سليمان بن صُرد الخزاعي ، صحابي جليل كان اسمه يسار ، وسمّاه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) سليمان ، وهو من أصحاب الإمام علي ( عليه السلام ) ، شارك معه في حروبه .

ـ المُسَيَّب بن نجبه الفزاري .

ـ عبد الله بن سعد بن نفيل الأزدي .

ـ عبد الله بن وال التميمي .

ـ رفاعة بن شدّاد البجلي .

وكلّهم من صحابة الإمام علي ( عليه السلام ) ومن المؤيِّدين له .

فبدأوا يمارسون نشاطهم في الخفاء ، ويبشِّرون بدعوتهم الانتقامية في أوساط الشيعة ، بعيداً عن مراقبة السلطة وجواسيسها المنتشرين في كلّ مكان .

وشكِّلوا منظمة سرِّية نواتها نحو مِائة معارض ، ولم تلبث حتّى تحوَّلت إلى معارضة شيعية كبرى تحمل اسم ( التوابين ) .

وقد صارت هذه التسمية هي الغالبة على حركة سليمان ورفاقه ، منبثقة من الآية الكريمة التي أصبحت شعارهم : ( فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقَتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيْمُ ) البقرة : 54 .

وكان الاجتماع الأوّل الذي ضمَّ هؤلاء قد عُقد في منزل سليمان بن صُرد ، وكان أوّل المتكلمين في الاجتماع المُسيَّب بن نجبه ، وبعد أن أنهى كلامه بتشديده على توحيد الصفوف ، تَكلَّم بعدئذٍ زعيم آخر هو رفاعة بن شدّاد .

فأثنى على ما جاء في خُطبةِ المسيَّب ، وأوصى باتِّخاذ سليمان بن صُرد زعيماً للحركة .

أهداف الحركة :

ـ إزاحة الأمويين من السلطة في الكوفة وتحويلها إلى قاعدة للحكم الشيعي الذي ينبغي أن يسود في مختلف أقاليم الدولة .

ـ أخذ القصاص من المسؤولين ، ومن قتلة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، سواء الأمويين أم المتواطئين معهم .

ـ تجسيد فكرة الاستشهاد ، وذلك بالتنازل عن الأملاك واعتزال النساء .

ـ الإلحاح في طلب التوبة عن طريق التضحية بالنفس .

وانتهى الاجتماع بهذه المقرّرات الحاسمة ، واختيار سليمان بن صُرد زعيماً لهم ، وذلك لسبقه في الإسلام وصحبة الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله ) ، وأوثقهم علاقة بالإمام علي وأبنائه ( عليهم السلام ) ، وأرفعهم شأناً في مكانته القبلية .

زيارة قبر الحسين ( عليه السلام ) :

جمع الصحابي الجليل سليمان بن صرد الخزاعي ـ الذي سمّي أمير التوابين ـ ، أنصاره في منطقة النخيلة في ربيع الثاني عام 65 هـ‍ ، ثمّ سار بهم إلى قبر الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، وكان عددهم يقارب أربعة آلاف رجلاً ، فما أن وصلوا إلى القبر الشريف ، حتّى صاحوا صيحة واحدة ، وازدحموا حول القبر أكثر من ازدحام الحُجّاج على الحجر الأسود عند لثمه ، فما رؤي أكثر باكياً من ذلك اليوم ، فترحموا عليه ، وتابوا عنده من خذلانه ، وترك القتال ، وتجديد العهد معه .

معركة عين الوردة :

تحرّك القائد سليمان بن صرد ـ بعد زيارة قبر الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، وتجديد العهد معه ـ مع جنده قاصدين الشام ، فوصلوا إلى الأنبار ، ومنها إلى القيارة وهيت ، ثُمَّ إلى قرقيسيا ـ وهي بلدة على مصب نهر الخابور في الفرات ـ وبعدها منطقة عين الوردة .

وفي الثاني والعشرين من جمادى الأول 65 هـ ، دارت في منطقة عين الوردة رحى الحرب بينهم وبين جند الشام ، وأبلى التوّابون بلاءً حسناً ، فكان لهم النصر أوّل الأمر ، غير أن ابن زياد سرعان ما أمدّ جيش الشام باثني عشر ألفاً ، بقيادة الحصين بن نمير ، ثمّ بثمانية آلاف ، بقيادة بن ذي الكلاع ، فأحاطوا بالتوّابين من كلّ جانب ، فلمّا رأى سليمان ما يلقى أصحابه من شدّة ، ترجّل عن فرسه ـ وهو يومئذ في الثالثة والتسعين من عمره ـ وكسر جفن سيفه ، وصاح بأصحابه : يا عباد الله ، من أراد البكور إلى ربّه ، والتوبة من ذنبه ، والوفاء بعهده فليأت إليّ .

فاستجاب له الكثيرون ، وحذوا حذوه ، وكسروا جفون سيوفهم ، وقتلوا من أهل الشام مقتلة عظيمة حتّى أُصيب أميرهم سليمان بسهم ، فوثب ووقع ، وهو يقول : فزت وربّ الكعبة ، وحمل الراية بعده المسيّب بن نجبه ، فقاتل بها حتّى استشهد .

وانتهت المعركة إلى جانب أهل الشام ، بعد أن ترك التوّابون أمثلة رائعة للبطولة والفداء ، التي استمدت روحها من مواقف الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه ( عليهم السلام ) ، والتي لها صداها في النفوس ، وأثرها القوي في التاريخ الإنساني كلّه .

No comments: